عدنان بن عبد الله القطان

30 ربيع الأول 1443 هـ – 5 نوفمبر 2021 م

———————————————————————————

الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وجعل العلاقة بين الزوجين مودة ورحمة وبراً، نحمده سبحانه ونشكره على نعمه التي تترى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحكيم العليم، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الهادي إلى الطريق القويم، والصراط المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: جعل الله تعالى الزواج سكناً للزوجين وراحةً لهما ومصرفاً مشروعاً لشهواتهما وطريقاً إلى الذرية الطيبة الصالحة  كما جعل الله تعالى الطلاق خلاصاً للزوجين حين تفسد المودة بينهما، ويتكدر عيشهما، وتسد طرق تواصلهما؛ ليبحث كل واحد منهما عن سعادته مع غير صاحبه كما قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) وهناك عباد الله أسباب للطلاق لو تلافاها الزوجان، لطفئت نار شقاقهما، وتوثقت المودة بينهما، نذكر بها ليعلمها الزوجان الكريمان، ويعلمها الناس جميعاً فيجتنبوها. ومن تلكم الأسباب: تقصير أهل البنت في السؤال عن حال الرجل الخاطب، وكتمان أهل البنت ما فيها من عيوب وخلل في دينها أو خلقها أو جسدها. وكم من فتاة فوجئت بعد الزواج بأن زوجها مدمن خمر أو مخدرات تارك للصلوات، وما كانت لترضى به ولا أهلها يرضونه لأبنتهم لو علموا ذلك، ولكنه تقصير الأولياء في السؤال، وغش من سئلوا عنه، والواجب على من سئل عن أحد أن يبين ما فيه ولا يحابيه ولو كان أقرب الناس إليه. ومن غش الناس في بناتهم وأخواتهم لأجل أقاربه وأصحابه عوقب بمن يغشه في بناته وأخواته جزاءً وفاقاً.

وكم من زوج فوجئ بعد الزواج بعيوب في زوجته كتمها أهلها ما كان ليرضى بها لو علمها، وهم كتموها حرصاً على زواجها فضروها من حيث أرادوا نفعها..

أيها المؤمنون : ومن أسباب الطلاق: عدم الكفاءة بين الزوجين في الدين والأخلاق والمكانة الاجتماعية؛ فتكون ذات دين عند من لا دين له فيقهرها على فساده وانحرافه، أو يكون ذا دين وهي تتساهل بالمحرمات في بيتها ولبسها فيقع الشقاق بينهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ). أو يكون الزوج أعلى مكانة من أهلها أو أغنى منهم فيحتقرها ويظلمها أو تكون الزوجة أعلى مكانة منه أو أغنى فتتفاخر عليه وتتكبر ويسئم ويمل منها، وكلما تقارب المستوى الاجتماعي للزوجين كان أدعى لاستمرارهما.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن أسباب الطلاق: التقصير في جنب الله تعالى، والتهاون بطاعته، وانتشار المنكرات والمحرمات في بيت الزوجية، مما يكون سبباً في ضيق الصدور، وتسلط الشياطين، وغضب وثوران الزوجين أو أحدهما عند أدنى مشكلة، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ ( أي أحد أعوان الشيطان) فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً، ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَيُدْنِيهِ الشيطان مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) ولا يظفر الشيطان وأعوانه من بيت وأسرة إلا إذا تهدمت حصونهم من التدين والصلاة والذكر والقرآن، وفشت فيهم المنكرات وضعفت فيهم الطاعات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)..أيها المؤمنون: ومن أسباب الطلاق: الغيرة المفرطة التي تؤدي إلى شك أحد الزوجين في الآخر، فلا يثق هو بها، ولا تثق هي به، وكل تصرف من أحدهما يفسره الآخر بموجب هذا الشك. والشيطان يوقد نار الفتنة بينهما. وفي ضبط الغيرة ووزنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ؛ فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ…) وبعض الأزواج يلعب ويلهو ببنات الناس فيعاقب بشكه في أهله جزاءً وفاقاً

وكم طلق من نساء، وشتت من أسر بسبب سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فصار الزوج يراقب زوجته وهي تراقبه، وكل واحد منهما يفتش أجهزة الآخر، فزالت الثقة بينهما، وعند أدنى ظن أو زلة يقع الطلاق، ويتقاذفان الاتهام. ومراقبة الله تعالى في السر والعلن أساس كل خير، وسبب كل فلاح؛ وذلك بأن، (تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)

أيها الزوجان الكريمان: ومن أسباب الطلاق: جهل كل واحد من الزوجين بحقوقه وواجباته

فيظن ما ليس بحق له حقاً له، ويقصر في واجباته ولا يعلم أنها واجبات، فيكون الشقاق المؤدي إلى الطلاق. ولو علم كل واحد من الزوجين ما عليه من الواجبات فأداها، وما له من الحقوق فلا يتجاوزها؛ لقضي على كثير من الخلافات بين الزوجين، واستقامت حياتهما… عباد الله: ومن أسباب الطلاق: تهديد الزوج زوجته بالطلاق ليردعها عن عمل تعمله، فيفاجأ بعنادها، فتأبى عليه عزته إلا أن يلقي الطلاق عليها وينفذ تهديده، وهو في باطنه لا يريد طلاقها. ولكنه الحمق والسفه والتسرع الذي وضعه في هذا الموضع. ومن الأزواج من إذا غضب فليس على لسانه إلا الطلاق.. والطلاق لا يصلح أن يكون سلاح تهديد أبداً، ولا ينبغي أن يشهر في حال الغضب؛ لأنه إجراء يجب أن يتخذ عن قناعة وهدوء إذا سدت جميع منافذ التفاهم بين الزوجين، وأصبحت شراكتهما في الأسرة غير ممكنة؛ فيتفرقا ليبحث كل واحد منهما عن رزقه (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) والله تعالى ما جعل العصمة بيد الرجل، والطلاق إليه، إلا ليحسن التصرف فيه، لا ليهدم الأسرة به في حال غضب وحمق وتسرع ثم يطوف على القضاة والعلماء والمفتين يبحث عن حل لما ارتكب من حماقة في حق زوجه وولده وبيته، وقد يجد وقد لا يجد، مع ما أحدثه من أثر عميق في قلوب أفراد أسرته إذ أثبت بتهوره وعجلته أنه يمكنه الاستغناء عن زوجه وولده، ومفارقتهم في أي لحظة، وهدم بيته بلسانه… عباد الله: ومن أسباب الطلاق: الخلافات المالية بين الزوجين؛ فقد يكون الزوج غير قادر على الإنفاق، لضعف كسبه، وسوء تدبيره لمعيشته أو يكون شحيحاً وبخيلاً بالمال على أهله وولده، أو تكون الزوجة كثيرة الطلبات فترهقه وتكثر التشكي والتذمر فتضجره وتغضبه حتى يطلقها.. وكثيراً ما هدمت المرأة بيتها بمقارنة زوجها بأزواج أخواتها وقريباتها في الإنفاق والعطاء، والله تعالى يقول: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) أو قد تكون الزوجة موظفة، أو ذات مال بورث، أو هبة أو وقف، فيطمع الزوج في مالها، فتنشأ المشاكل بسبب ذلك حتى تؤدي إلى الطلاق ولا حق للزوج في مالها إلا بطيب نفس منها، ولا يحل له أن يبخس حقوقها، أو يعاملها بغلظة ليبتزها في مالها، ولا يفعل ذلك إلا أراذل الناس، يقول تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) أيها المؤمنون: ومن أسباب الطلاق: عدم قدرة الزوج على التوفيق بين حقوق زوجته عليه، وحقوق والدته وأخواته، ولا سيما إذا نشب صراع بين النساء، سببه الغالب الغيرة وحب السيطرة، فقد تسعى الزوجة للسيطرة على الزوج دون أمه وأخواته، فتغار الأم والأخوات منها فيعاملنها معاملة الجارية أو الخادمة.. وليس واجباً على الزوجة أن تخدم أم الزوج أو أخواته، وإنما ذلك من حسن العشرة للزوج؛ لأن الزوج يحب من زوجته أن تحسن صحبتهم، وتتفانى في إرضائهم، فإذا كن يلحقن الأذى بإذلالها كان لها أن تصون كرامتها بالامتناع عن خدمتهن، وليس للزوج إجبارها على ما يلحق الأذى بها؛ لأنه كما يجب عليها أن تحسن عشرة زوجها فيجب عليه أن يحسن عشرتها…وفي بعض الأسر عادات وتقاليد تسبب كثيراً من المشاكل بين الزوجين مع أنه لا دخل للزوجين فيها بشكل مباشر؛ كزيارات الزوج لأهل الزوجة، أو زيارات الزوجة لأهل الزوج، أو صحبة الزوجة لوالدة الزوج في كل مناسبة. وكل ذلك لا يتعدى حسن العشرة بين الزوجين، ولا يجب على أحدهما شيء منه؛ فليس أهل كل واحد من الزوجين رحماً للآخر يجب وصلها والله تعالى يقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وليس من المعروف أن تكره الزوجة على ما يلحق الأذى بها من أذية أهل الزوج لها بالقول أو بالفعل. والرجل العاقل الحازم هو من يعطي كل ذي حق حقه. ورحم الله أهل وذوي الزوج والزوجة الذين لا يتدخلون في حياتهما، ولا يكدرون صفو عيشهما، ويحسنوا التعامل معهما.

أيها الزوجان الكريمان: ومن أسباب الطلاق: نشر بعض أسرار البيت خارج نطاق بيت الزوجية، وإشاعة ما يحدث من الخلافات بين الطرفين، فيتدخل بعض الأقارب سواء من قبل الزوج أو الزوجة في حياتهم، وهذا يزيد المشاكل ويعقدها، ويكثر أطرافها، والواجب عند حدوث المشاكل أن يسعى الزوجان في حلها دون تدخل أحد، فإن احتاجا إلى مشورة ورأي استشارا من لا يعرفهما ممن شهد لهم بالحكمة وصواب الرأي؛ لأن البعيد عنهما جميعاً أعدل في حكمه، ولا مصلحة له فيما يشير به عليهما، فيمحض النصح لهما. فإن تفاقمت المشاكل بينهما وكانا صادقين في حلها تحاكما إلى حكمين من أسرتيهما، وعملا بحكمهما، يقول تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلاً منهما ما يجب عليه، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قنعا الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلان عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، (أي لا يبغض) إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)

نسأل الله تعالى أن يصلح الأزواج والزوجات وأن يصلح، بيوتنا وبيوت المسلمين، وأن يجنبها أسباب الشقاق والفراق، وأن يجعلها بيوتاً عامرة بذكره وطاعته، تظللها الرحمة والمودة والسكينة، إنه سميع مجيب الدعاء.

نفعني الله وإياكم بالقران العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه، قال فصدق، وبالحق نطق، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: ومن أسباب الطلاق: سلاطة اللسان والضرب المتبادل وسوء الأخلاق، وإساءة العشرة، وهذا يكون من الزوج ومن الزوجة؛ فيكون الزوج سليط اللسان، كثير الانتقاد، قليل الشكر، لا تقع عينه إلا على المعايب، ولا يرى المحاسن، يظن أنه إن أثنى على زوجته بمحاسنها شمخت وتكبرت عليه، ويظن أن كسرها باستمرار يزيد من خضوعها له، يعاملها وكأنها جارية أو خادمة، ولا يعاملها على أنها زوجة وشريكة وأم أولاده؛ وفي هذه الحال، إما أن تكرهه الزوجة وتخاف منه وتصبر عليه لأجل ولدها وإما أن تكرهه وتواجهه وتختلع منه.. وكذلك يكون في الزوجات سليطات اللسان، ناكرات للفضل والمعروف والإحسان، فإما أن يتحملها زوجها ويصبر على سلاطتها، وإما أن يطلقها ليتخلص من لسانها، والواجب على كل من الزوجين حسن الخلق والعشرة وتجنب السب والشتم والعيب، وحفظ اللسان مما لا يحسن، وقد قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًاً). وقال صلى الله عليه وسلم (خيرُكم خيرُكم لأَهلِه وأنا خيرُكُم لأَهلي ما أكرمَ النِّساءَ إلَّا كريمٌ ولا أهانَهُنَّ إلا لئيمٌ)

أيها المؤمنون: ومن أسباب الطلاق: نفرة أحد الزوجين من الآخر بسبب رائحته، أو تقصيره في نظافته، ولا سيما عند المعاشرة، فتتراكم النفرة مع الأيام حتى تتحول إلى صدود وكراهية، فيطلب الرجل زوجته وتصده، أو تتقرب المرأة إلى زوجها فيعرض عنها، ومن الخطأ كتمان ما يقع من ذلك إما حياءً وإما لعدم إحراج الآخر، والواجب المكاشفة والمصارحة بين الزوجين في مثل هذه الأمور لتلافيها؛ يقول عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

أيها المسلمون: ومن أسباب الطلاق: كثرة غياب الزوج عن المنزل، واتخاذه أصحاباً عوضاً عن أهله وولده فيهملهم، ويلقي حمل البيت كله على الزوجة، وربما قصر أيضاً في النفقة الواجبة. ولذلك أسباب قد تكون الزوجة طرفاً فيها، وهي عدم ارتياح الزوج في المنزل، فيبحث عن راحته خارج منزله..  وبعض الأزواج لا يبالي بأهله وولده كما يبالي بأصحابه؛ وهذا يؤدي إلى تزايد الضغوط على الزوجة مما قد يكون سبباً في الشقاق ثم الطلاق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ) فلا يحل له أن يضيع رعيته من أهل بيته ليلهو مع أصحابه.. كما أن بعض الزوجات تهمل زوجها وولدها وبيتها، ويكثر خروجها لزيارة أهلها أو صواحبها أو للمناسبات، وهذا أيضاً يضجر الزوج، ويؤدي إلى الشقاق والطلاق؛ لأن زوجها ما اقترن بها إلا لتقر في بيته وترعاه وترعى أولاده، لا لتكون خراجة ولاجة وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ).. أيها الزوجان الكريمان: إن من الأزواج ومن الزوجات من هو حساس تجاه الآخر في كل كلمة يقولها، وحركة يفعلها، بحيث تشعل مزحة أو كلمة أو إشارة نار فتنة بينهما، بسبب فرط حساسية أحدهما.. بل حتى لو قال أحد الزوجين في الآخر كلمة جارحة فعلى المجروح أن يتغاضى ويتغافل وينسى لتسير حياتهما على ما يحبان؛ فإن كثرة الخلافات والمناكفات تورث الضغائن، وتوغر الصدور، ويضيق الأولاد ذرعاً بها، ويقدح الشيطان نيرانه فيها؛ حتى يقوض سعادة الأسرة ويهدمها.. وعلى كل حال فإن الرجل العاقل من يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، ويسعد ولا يشقي، ويفرح ولا يحزن، ويسعى جهده لإدخال السرور على أهله وولده، وخير الناس خيرهم لأهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتنا وأسوتنا، وقد كان خير الناس لأهله… نسأل الله تعالى أن يصلح أزواجنا وأولادنا وبيوتنا، وأن يجعلهم قرة أعين لنا، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) اللهم أصلح أسر المسلمين، وأحوال الأزواج والزوجات، والمطلقين والمطلقات، وألف بين قلوبهم، وأصلح شأنهم كله، وبارك لهم في أولادهم وذرياتهم.. اللهم اجعل بينهم من المودة والرحمة أفضلها ومن الصبر والرأفة أكملها، ومن الشكر والطاعة أعمها، وأهدهم لما فيه الخير والصلاح يارب العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، اللهم وفِّق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً ومعيناً.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وأطلق قيده، وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين

 اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا وارحم موتانا وارحم موتانا ووالدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

            خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين